Friday, July 10, 2015

خلوة مع حلزون

ad+1


إذا قيل في تعريف الإنسان، أنه "حيوان ناطق" فإننا نفهم أن مخلوقات الله في هذا الكون المرئي محصورة في النباتات والحيوانات والمواد، فليس هناك إذن، خلق آخر يسمى إنسان. وإذا آمنا بهذا التعريف، فقد كفرنا بآيات الله التي تثبت أنه خلق الإنسان خليفة في الأرض لإعمارها وتدبيرها أحسن التدبير. وإذا هو كذلك، فعلى الإنسان أن يتعلم من محيطه من النباتات والحيونات، ويتفكر ويتدبر فيها حتى تتحقق وظيفة خلقه في هذا الكوكب.

في ذلك الصباح الباكر، كعادتي وعادة أغلب الناس في قريتي العتيقة، الهادئة، البعيدة عن ضجيج المدينة، كنت أتجول جولة خفيفة في مزرعة خضراء خلف منزلي، مستمتعا بمناظر طبيعية جميلة يعجز اللسان عن تعبيرها. وفي تلك الجولة المتيعة، كنت أستمع إلى تغريد العصفور من فوق الأشجار كثيفة الأوراق، فكأنها ترحب بي وتسلم علي من بعيد "أهلا ومرحبا يا خليفة الله"، رغم أني لا أفهم لغتها لكني أشعر بسببها براحة البال وطمئنينة النفس. وفي كل خطوة من خطواتي حول المزرعة، أتمتع بريح الصباح الصافي، الناقي، الخال عن التلوث الهوائي، فكأن كل نفَس يدخل رئتي روح جديد يجدِّد حياتي. ثم ألفت نظري إلى يميني وشمالي لأتمتع ببصري؛ هذه النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى في هذا الكون الفاني.

وفجأة، خطر على بالي، أن كل ما رأيته الآن لن يبقى على صورته أبدا، سيأتي يوم قد لا أرى ما رأيته اليوم، إما أنه يتحول إلى ما هو أسوء بعد حين، نتيجة فعل الإنسان الذي يقوم على الأرض فسادا، وإما أني سأفارقه لمدة غير يسيرة لأمر يبقى سره عند ربي، ويمكنني يوما ما أن أعود إليه وأجده كما هو على حاله، وإما أفارقه على الدوام، فيكون هذه المرة هي لحظة فراق بيني وبينه، كل هذه التساؤلات العابرة مما شغلتني ودعتني إلى أن لا أضيعّ دقيقة من عمري لهوا وعبثا.

في إثر هذه الجولة، التفت نظري إلى حلزون فوق قصب السكر، وجدته ضعيف البنية، بطيء الحركة، قد ينظر إليه الناظر الغافل نظرة إهانة، فخفيت عنه العبرة. بدأت أقترب إليه متسائلا في نفسي، لماذا خلق الله هذا الحيوان؟ ما فائدة خلقه للإنسان؟ وأنه تعالى قد قال، إنه لن يخلق كل شيء بعبث، فما هو سر خلقه؟

بعد بضعة دقائق، جلب انتباهي في هذا اليحوان الدائب، بدأت أؤوّل في سر خلقه الظاهر، باحثا عن جواب لتساؤلي، فقلت في نفسي: "سبحانك الله، ما خلقت هذا باطلا! ما أجمل هذا الخلق الذي يعلمني عبرة ودرسا لا يعلمه إلا المتأمل العاقل". ففي بنيته الضعيفة علمني الشكر والصبر والاستقامة في الحياة، كيف ذلك؟ عرفت أن لكل حلزون قوقعة قاصية ثقيلة، وضعت في مؤخره مما يحدد حريته. تلك القوقعة هي عمدة حياته، يخزن فيها كل زاد حياته. فالحلزون رغم أنه خلِق بهذه الصورة لن يشكو إلى ربه أبدا، مطالبا ليبدله ببنية أفضل منها. بل أبعد من ذلك، إن شئنا أن نؤول تلك القوقعة القاصية قد تكون الأمانة التي كلِّف بها الحلزون، فهو يأخذها معه -رغم ثقلها- أين ما كان بكل مسؤولية، يحافظ عليها من كل ما من شأنه أن يكسرها حتى تتابع الحياة. بخلاف ما نجده في الإنسان، فرغم أنه خلق على أحسن تقويم، لكنه –في كثير من الأحيان- يعاند ربه ويكفر نعمته عليه، ولا يؤدي أمانته بأحسن وجه، أفلا يستحي الإنسان أمام ذلك الحلزون الصغير؟

ثم علمت أيضا، أن الحلزون بطيء في حركته، وأعلم من وراء ذلك، أنه يعلمني الصبر والاستقامة في الحياة. وهو دوما يخطو خطوةً إلى الأمام، ولا أجده يتراجع إلى الخلف. هذا يشيرعلي أن كل مخلوق طموح في الحصول على أهدافه، وتلك الأهداف لابد أن تنال بالصبر والاستقامة والتأني، فإن في التأني سلامة وفي العجلة ندامة. وهذا يخالف ما وجد في الإنسان، فإن له طبيعة العجالة، يريد أن يحصل على مبتغاه بسرعة وبأيسر السبل، فكم من الناس يستخدم لأجلها كل وسائل سواء كانت محمودة أو مذمومة.

لقد سحرتني تلك الخلوة الماتعة مع الحلزون، وأخذتني إلى عالم آخر، عالم التبدر والتفكر في خلق الله، وهو بحر لن يقدر على أحد أن يأخذ كل خزينته، ويكشف كل أسراره، وما أوتي من علم إلا قليلا. فطوبى لمن كان له قدرة في غوصه، وكشفِ أسرار الله تعالى الجليلة في خلقه. ثم طلعت الشمس من مشرقها فتذكرت أن أعود إلى منزلي لأقوم بواجباتي.

-***-

1 comment:

Home About-us Privacy Policy Contact-us Services
Copyright © 2014 kite | All Rights Reserved. Design By Templateclue - Published By Gooyaabi Templates